محيي الدين يؤكد أن التوجه المحلي والإقليمي هو الخيار الأمثل لمواجهة التقلبات الجيوسياسية الحالية

محيي الدين يؤكد أن التوجه المحلي والإقليمي هو الخيار الأمثل لمواجهة التقلبات الجيوسياسية الحالية

أكد الدكتور محيي الدين، مبعوث الأمم المتحدة لتمويل التنمية والمكلف من أمين عام الأمم المتحدة برئاسة فريق الخبراء لوضع حلول لأزمة التنمية، أن إدراك الدول لطبيعة النظام العالمي الجديد الذي بدأ يتشكل وتعزيز توجهاتها نحو توطين التنمية والتعاون الإقليمي يعدان أساسًا للعب دور رائد في هذا النظام الجديد.

وأوضح محيي الدين أنه مع اقتراب نهاية برنامج 2030 للتنمية المستدامة الذي بدأ عام 2015 بتدشين 17 هدفًا رئيسيًا للتنمية المستدامة بإجماع دولي، نجد هناك توجهات متباينة لتحقيق هذه الأهداف بدلاً من الالتفاف حول توجه دولي واحد وهو تسريع تحقيق التنمية المستدامة وحشد التمويل والتعاون الفني من أجل تحقيق هذه الأهداف، مشيرًا إلى أن هذا التباين يصعب معه إيجاد أجندات دولية موحدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مما يعزز التوجه نحو العمل المحلي والإقليمي لتحقيق هذه الأهداف.

وأضاف أن العالم يشهد حاليًا ثلاثة توجهات بشأن التنمية المستدامة. الأول تتبناه بعض الدول مثل مجموعة الآسيان ودول الخليج العربي والدول الإسكندنافية وبعض الدول الأفريقية وهو تسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة وربطها ببعضها البعض. لكن التوجه الأكثر تأثيرًا هو الثاني والذي تتبناه بعض الدول المؤثرة سياسيًا واقتصاديًا مثل الولايات المتحدة التي تعلن عبر سياساتها عدم الاكتراث بأهداف التنمية المستدامة، بل إن هذه الدول تنسحب أيضًا من اتفاقيات مرتبطة بالتنمية المستدامة مثل اتفاق باريس للمناخ. أما التوجه الثالث فهو اعتراف بعض الدول بأهمية تحقيق التنمية المستدامة دون الحاجة الملحة لتنفيذ أهدافها بالسرعة المطلوبة.

وفيما يتعلق بمسار العمل المناخي وأهميته بالنسبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الأخرى، أوضح محيي الدين أن مؤتمري الأطراف السابع والعشرين بشرم الشيخ والثامن والعشرين بدبي حسما الأمر بأن العمل المناخي هو عمل تنموي، وأن التقاعس عن تنفيذ العمل المناخي يعني تقاعس عن العمل التنموي. وبالتالي لا سبيل للفصل بين أهداف التنمية المستدامة وتحقيق بعضها وغض الطرف عن البعض الآخر. وأكد أن هدف الحصول على الطاقة وهو الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة هو في صلب العمل المناخي، كما لا يمكن تحقيق التقدم في التعليم والصحة وهما هدفان من أهداف التنمية دون توفير الطاقة النظيفة الآمنة.

وردًا على سؤال بشأن مقاييس جودة الحياة وتحقيق النمو والتنمية في المجتمعات والدول المختلفة، قال محيي الدين إن إجمالي الناتج المحلي معيار مهم لقياس النمو الاقتصادي والتنمية ولكنه ليس المعيار الوحيد. وأضاف أن المقاييس يجب أن ترتبط بالإسهام فيما وراء هذا المعيار أو ما أصبح يعرف بمعايير “ما وراء إجمالي الناتج المحلي”، وهو اتجاه أممي مهم يستهدف قياس رأس مال المجتمعات والدول من الطبيعة وحجم الإسهام في العمل البيئي والمناخي وأهداف التنمية ككل. موضحًا أن هذا التوجه يعتمد على مجموعة مؤشرات تتكامل مع بعضها البعض لقياس التقدم الفعلي في تحقيق الأهداف التنموية والاقتصادية.

وفي سياق حديثه عن قدرة الدول العربية على تحقيق النمو والتنمية في ظل الاضطرابات السياسية والعسكرية والأزمات الاقتصادية، أكد محيي الدين أن عناصر السياسة والاقتصاد والتغيرات الجيوسياسية كلها مؤثرة وشديدة الارتباط ببعضها البعض. لكن الأهم هو كيفية تعامل الدول معها وتحويلها من كبوات إلى فرص. مضيفًا أن عام 2025 يمثل نهاية النظام السياسي والاقتصادي العالمي غير الكفء وغير العادل الذي بدأ عقب الحرب العالمية الثانية والذي شهد تداعيات كثيرة تطالب بمراجعة أدوار المنظمات الدولية المختلفة.

وأشار إلى أن النظام العالمي الجديد سيراعي القوى السياسية والاقتصادية الصاعدة وسيكون للجنوب العالمي دور في رسم سياسات هذا النظام الجديد. كما أكد أن كفة العالم تتجه شرقًا نحو التجارب التنموية والاقتصادية الناجحة في آسيا، حيث أصبح هناك اهتمام بالتوجه الإقليمي في ظل تراجع التعاون والثقة على المستوى الدولي. ويجب إدراك بلداننا العربية لطبيعة هذا العالم الجديد وتفهم أهمية التعاون الإقليمي العربي والمتوسطي والأفريقي والآسيوي بالإضافة إلى الاهتمام بشكل أكبر بالبعد المحلي للنمو وتوطين التنمية لتعزيز قدرة الدول العربية على لعب دور رائد في النظام العالمي الجديد ورسم ملامحه.

وعندما سُئل عما إذا كان بإمكان الدول متوسطة ومنخفضة الدخل تحقيق النمو والتنمية رغم التغيرات الحالية على الساحة العالمية، قال محيي الدين إن هذه الدول يجب أن تستفيد من تجربة مجموعة الآسيان وما حققته من قفزات في النمو الاقتصادي والتنمية. مضيفًا أنه ينبغي دراسة تجاربها المحلية للتحول من الفقر إلى الغنى عبر تعزيز العنصر البشري والاستثمارات وتمتين الاقتصاد ضد الصدمات الخارجية وتنويع مصادر التمويل الداخلي والخارجي مع تقليص الاعتماد على الاستدانة قدر الإمكان.

وأكد وجود تجارب ناجحة لمجموعة الآسيان لدول كانت تمر بالحروب والأزمات السياسية ثم تحولت إلى النمو والتنمية خلال فترات زمنية قياسية مما يمنح الأمل لمجتمعاتنا العربية التي تشهد صراعات وحروب أو تقع تحت الاحتلال مثل فلسطين بتحقيق النجاح والنمو خلال الأعوام القادمة.

وفي إطار الحديث عن أهمية التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي للدول العربية، شدد محيي الدين على ضرورة التعامل مع مستحدثات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والرقمنة لأي مجتمع يسعى لتحقيق التنمية في مختلف المجالات. كما أشار إلى أهمية تكييف التكنولوجيا مع احتياجات المجتمعات المحلية والتعاون بين الحكومات والقطاع الخاص لتحقيق تقدم تكنولوجي فعّال.

وذكر مثال دولة الإمارات التي أدخلت المواد العلمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي ضمن المناهج الدراسية الإلزامية وكذلك المبادرة الرائدة لمصر المتعلقة بالمشروعات الخضراء الذكية والتي تمثل نموذجاً لتوطين التكنولوجيا والعمل البيئي والتحول للاقتصاد الأخضر بالتعاون بين القطاعين العام والخاص ومشاركة جميع المعنيين بتحقيق التنمية.

إلى جانب التجارب المصرية والإماراتية، سلط محيي الدين الضوء على التجربة المغربية التي تركزت فيها جهود الاستثمار في العنصر البشري والتحول الرقمي والاستدامة عبر مختلف القطاعات.

وفي ختام النقاش حول فجوة تمويل العمل التنموي أكد محيي الدين أنها بلغت نحو أربعة تريليونات دولار عالميًا مشيرًا إلى مؤتمر تمويل التنمية الرابع المزمع عقده الشهر المقبل بأشبيلية والذي يهدف لدعم أدوات حشد التمويل المحلي والدولي والعام والخاص بما يدعم جهود البلدان لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

كما أشار إلى ضرورة ربط الموازنات العامة للدول بأجنداتها التنموية حيث تحدد تلك الموازنات أولويات الإنفاق ولفت الانتباه لدور الصناديق السيادية كمساندة للموازنات العامة فيما يتعلق بتحقيق أهداف التنمية بالإضافة إلى مساعدة حشد التمويل المحلي خاصةً مع تراجع وتيرة المساعدات الإنمائية الدولية.

واختتم حديثه بالإشارة إلى أهمية السندات بمختلف أنواعها كوسيلة لحشد التمويل موضحاً أنه بالإدارة المنضبطة لهذه السندات يمكن توفير التمويل اللازم وتحقيق الهدف منها مستشهدًا بالسندات الخضراء التي أطلقتها مصر كأول دولة عربية تصدر سندات لحشد التمويل لأغراض مكافحة تغير المناخ وحماية البيئة والتحول للاقتصاد الأخضر.

في النهاية أكد محيي الدين أن العمل الحكومي يمنح القائم به فرصة للخدمة العامة ويساعد الموظف على اكتساب خبرات هامة ولكن يجب عليه أيضًا الانخراط في برامج تنفيذية لصقل المواهب واكتساب خبرات جديدة من القطاع الخاص مما يعزز كفاءة الموظف الحكومي ويساهم بشكل فعّال في التنفيذ الأمثل لخطط العمل.

سنوافيكم بكل جديد حال صدور أي تفاصيل إضافية.

قد يهمك أيضاً :-
قد يعجبك أيضا :-