هل تواجه أمريكا ركودًا اقتصاديًا بعد انكماش اقتصادها للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات؟

هل تواجه أمريكا ركودًا اقتصاديًا بعد انكماش اقتصادها للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات؟

أظهرت بيانات وزارة التجارة الأمريكية انكماش الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 0.3% في الربع الأول من العام الحالي، وهو الانكماش الأول منذ عام 2022، ويعود ذلك إلى اتساع ميزان العجز التجاري قبل اتخاذ قرارات ترامب بشأن الرسوم الجمركية.

هذا الانكماش في الاقتصاد الأمريكي يثير قلق الأسواق العالمية من احتمال دخول أكبر اقتصاد في العالم في حالة ركود، مما قد تكون له تداعيات سلبية على دول أخرى، خاصة منطقة الشرق الأوسط بما فيها مصر.

تتزايد المخاوف بين الاقتصاديين بعد القرارات القاسية التي اتخذها دونالد ترامب، والتي تشمل فرض رسوم جمركية على واردات من 183 دولة بحد أدنى 10% وتصل إلى 145% للصين، بالإضافة إلى الصراع المستمر حول أسعار الفائدة ورفض الاحتياطي الفيدرالي- البنك المركزي الأمريكي- الاستجابة لطلبات ترامب بخفض سعر الفائدة لتخفيف الأعباء عن القطاع الخاص.

عودة سيناريو كورونا

قال وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، خلال حديثه مع سلاش ويب إن الإجراءات الحالية التي تتخذها الولايات المتحدة تشبه بشكل كبير ما حدث أثناء أزمة كورونا، حيث كان العالم يعاني في عام 2018 من تباطؤ اقتصادي نتيجة ضعف الطلب وتراجع عمليات البيع مما أدى إلى أزمة قبل ظهور كوفيد-19.

وأشار النحاس إلى أنه مع تفشي الجائحة توقفت الأسواق والمصانع وسلاسل التوريد؛ مما أدى إلى زيادة الطلب على السلع المتاحة وشهد العالم طفرة في بعض الصناعات مثل السيارات والأجهزة المنزلية.

وأضاف أن الاقتصاد أحيانًا يحتاج إلى تباطؤ مقصود لإنهاء المخزون الحالي وتمكين الشركات من إطلاق منتجات جديدة، وهو ما لا تعلنه الحكومات الكبرى بشكل صريح.

وأوضح النحاس أن بعض الشركات مثل تلك التي تصنع أجهزة التلفاز تمتلك مخزونًا كبيرًا من قطع الغيار ومكونات الإنتاج، مما يتطلب وقتًا لتصريفه قبل طرح منتجات جديدة؛ ولهذا السبب تتدخل الدول أحيانًا لإحداث تباطؤ في السوق.

وأكد أن الولايات المتحدة قبل عام 2016 لم تكن تملك موارد ضريبية كافية وكانت تلجأ لإحداث تضخم لزيادة الحصيلة الضريبية وهو ما لا يُعلن عنه سياسيًا. وقال “ارتفاع الأسعار أداة من أدوات السياسات الاقتصادية”، مشيرًا إلى تصريحات ترامب حول محاربة التضخم وتجاهله لارتفاع الأسعار.

وتابع النحاس بأن الدول تبدأ برفع أسعار الفائدة لمعالجة التضخم وسحب السيولة من السوق ولكن هناك عوامل أخرى تدفع الأسعار للارتفاع مثل زيادة تكاليف العمالة وأزمات سلاسل التوريد؛ مما يؤدي لارتفاع أسعار السلع رغم ارتفاع أسعار الفائدة. لذلك أصبحت معالجة التضخم تتطلب السيطرة على عوامل إضافية لم تكن موجودة منذ عقود مضت.

وفيما يتعلق بالسوق المحلي، أشار النحاس إلى استمرار ارتفاع الأسعار رغم ضعف القدرة الشرائية وارتفاع أسعار الفائدة، مما يدل على أن المتحكم في الأسعار لم يعد هو أسعار الفائدة وحدها بل أيضًا سعر الصرف بسبب اعتماد الشركات المحلية على استيراد جزء كبير من مستلزمات إنتاجها من الخارج.

وفسر كلامه قائلاً إن السياسات النقدية الحالية تعتمد على سحب السيولة رغم أن السوق يعاني من ضعف الاستهلاك؛ مما يجعل هذه المعالجة غير منطقيّة.

التباطؤ جزء من الخطة

أكد النحاس أن الولايات المتحدة تسعى لإعادة مصانعها من الصين لكنها بحاجة لتقديم منتجات جديدة لتبرير ارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي ولتغطية تكاليف رأس المال المستثمر في تلك المصانع الجديدة.

وقال إنه إذا قدمت نفس المنتجات التي كانت تُصنع في الصين فستحقق خسائر بسبب فارق السعر؛ ولهذا السبب يتم إبطاء الأسواق لتصريف المخزون الحالي تمهيدًا لطرح جيل جديد من المنتجات.

وأشار إلى أن العالم يتجه نحو صناعات جديدة وأن جميع المنتجات الحالية ستتحول إلى “خردة” دون توفر قطع غيار لها. كما لفت انتباهنا إلى التحول الذي شهدته صناعة السيارات والتكنولوجيا بعد دعم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما للشركات التي تقدم منتجات جديدة فقط بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008.

تحذير من أن تصبح مصر “سوق كانتو”

وحذر النحاس من إمكانية تحول مصر إلى “سوق كانتو”، أي سوق لتصريف المنتجات القديمة مطالباً بضرورة إبطاء عمليات الاستيراد خلال الفترة المقبلة خاصة مع توقعات بعروض مغرية على السلع المستوردة.

وأكد على ضرورة الحفاظ على المنتج المحلي وعدم السماح بدخول منتجات مماثلة بأسعار أرخص إذ إن تلك السياسات قد تضر بالاقتصاد المحلي بشكل كبير وقد تؤدي لتحويل السوق المصري لمقبرة للسلع القديمة.”.

الاقتصاد الحقيقي هو الحل

وأشار النحاس أيضاً إلى أن السياسات الأمريكية الحالية تعتمد على إبطاء الإنتاج استعداداً لطرح منتجات جديدة حيث أنها ستجني ثمار تلك الإجراءات بحلول العام المقبل 2026 مضيفاً أن مؤشرات العام الحالي 2025 لن تكون معبرة عن الوضع الحقيقي للاقتصاد.

وقال نحن نعيش تحت مؤشرات اقتصادية غير حقيقية مثل معدلات النمو والبطالة بينما المؤشرات الحقيقية تتمثل في الإنتاج والتصنيع.

وأوضح أن الاقتصاد الحقيقي هو الذي يولد فرص عمل ويزيد الحصيلة الضريبية ويرفع مستوى رفاهية المواطن مشيراً لأن الولايات المتحدة تحولت سابقاً للاقتصاد غير الحقيقي لكنها اليوم تعالج الأمور وفق مؤشرات الاقتصاد الحقيقي.

حرب إعلامية.. لا تجارية فقط

وأكد النحاس أننا نشهد الآن حرباً إعلامية أكثر منها حرب تجارية ومن ثم ستصبح حرب عملات حيث تتركز الحرب على السلع رغم كون الخدمات تمثل 70% من الاقتصاد الأمريكي.


وأضاف الهيمنة الأمريكية ما زالت قائمة والإعلام يبعد الأنظار عن المخططات الحقيقية للولايات المتحدة.


واختتم النحاس حديثه بالتأكيد على أن السياسات الأمريكية لا تعتمد على الفكر الكلاسيكي بل يقودها رجال أعمال يعرفون أين تكمن المصلحة القومية وأن التباطؤ الاقتصادي ليس أمراً مقلقاً بالنسبة لأمريكا بل هو جزء مدروس لإعادة تشكيل الاقتصاد

قد يهمك أيضاً :-
قد يعجبك أيضا :-