
الرئيس السيسي قال صراحة قبل أيام: “لبن البودرة.. 45 مليون علبة.. لغاية دلوقتي ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟”، في إشارة إلى حجم الاستيراد الذي يتراوح بين 40 إلى 45 مليون عبوة سنويًا، فكيف يمكن لمصر ردم الهوة وتحقيق حلم الاكتفاء الذاتي من لبن الأطفال؟
وتعتمد السوق المصرية بشكل رئيسي على الألبان المستوردة، ما يجعل هذا الملف عرضة لتقلبات السوق وسلاسل الإمداد، ففي عام 2016، شهدت مصر أزمة حادة في توافر الألبان المدعمة، تدخلت خلالها القوات المسلحة لاستيراد نحو 30 مليون عبوة لتغطية العجز
وفي عام 2024، تكررت الأزمة بنسبة نقص في المعروض تُقدّر بين 25% إلى 30%، نتيجة تعثر الوكيل المحلي لأكبر شركة أجنبية كانت تهيمن على السوق، ما تسبب في توقف توريد أحد أشهر الأصناف
ويرى خبراء أن دعوة الرئيس لتوطين صناعة ألبان الأطفال تمثل خطوة استراتيجية نحو تحقيق الأمن الغذائي والدوائي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وخفض الأعباء عن كاهل الأسر المصرية خاصة مع ارتفاع الأسعار في السوق الحرة
ووفق مصدر مطّلع في قطاع الدواء، يبلغ متوسط استهلاك السوق المصري نحو 50 مليون عبوة سنويًا وهي من أعلى النسب عالميًا نتيجة ارتفاع الكثافة السكانية
ويتوزع الاستهلاك بين القطاعين العام والخاص؛ حيث توفر وزارة الصحة نحو 25 مليون عبوة مدعمة سنويًا بسعر رمزي يبلغ 5 جنيهات للعبوة رغم أن تكلفة الإنتاج الحقيقية للعبوة تتجاوز 150 جنيهًا وتتحمّل الدولة الفارق منذ عام 2018 وحتى الآن
أما القطاع الخاص فتسيطر عليه 4 شركات رئيسية تستورد ما يقارب 25 مليون عبوة سنويًا تُطرح في الأسواق بأسعار تبدأ من 300 جنيه وتصل إلى 500 جنيه للعبوة الواحدة وفقًا للنوع والماركة ما يمثل عبئًا ماليًا كبيرًا على المواطنين
“لاكتو مصر” المصنع المُكتشف في 2017.. هل يكون الحل؟
كانت الدولة قد كلّفت رسميًا شركة “لاكتو مصر” منذ عام 2017 بزيادة طاقتها الإنتاجية لتوفير ألبان الأطفال لوزارة الصحة بديلًا عن الاستيراد واستجابت الشركة لهذه التوجيهات ونجحت في مضاعفة إنتاجها لتغطية الحصة الحكومية بالكامل
وتعود قصة “لاكتو مصر” إلى عام 2017 عندما أعلن وزير الصحة آنذاك الدكتور أحمد عماد راضي “اكتشاف مصنع مصري قائم فعليًا لإنتاج ألبان الأطفال” بعد عام من أزمة كبرى في توافر الألبان تسببت في احتجاجات شعبية
حينها قال الوزير: “اكتشفنا وجود مصنع مصري اسمه لاكتو مصر مقام على أرض مصرية وتشارك شركة أكديما القابضة بنسبة 2% من استثماراته وإنتاجه يغنينا عن الاستيراد”
تُعد “لاكتو مصر” الشركة المحلية الوحيدة المتخصصة في إنتاج ألبان الأطفال المجففة تأسست عام 2000 على مساحة 31 ألف متر مربع وتضم أول مصنع من نوعه في مصر والشرق الأوسط وإفريقيا
وتعود ملكية 60% من أسهم الشركة إلى مجموعة الكعكي السعودية و2% لـ”أكديما” فيما يمتلك رجل الأعمال إبراهيم عزت النسبة المتبقية
المصنع ذاته كان توقّف عن الإنتاج في نهاية 2005 عقب خلاف مع وزارة الصحة بسبب فساد شحنتين من الألبان داخل مخازن شركة التوزيع المسؤولة عن توزيع إنتاج “لاكتو مصر” وفق تقارير إعلامية آنذاك
وبحسب وزارة الصناعة فإن المصنع يقتصر على استيراد اللبن المجفف والفيتامينات ويقوم بخلطها وتعبئتها وتسليمها لوزارة الصحة لطرحها في السوق المحلي ويسد حوالي 60% من احتياجات السوق المحلي
مراحل “التأهيل والتطوير”
بدوره قال الدكتور علي عوف رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية إن الدولة بدأت منذ عام 2017 وبتوجيهات رئاسية إعادة تأهيل مصنع “لاكتو مصر” بعد اكتشافه بهدف تمكينه من تصنيع ألبان الأطفال محليًا مشيرًا إلى أن المصنع خضع لضخ استثمارات كبيرة لتحقيق هذا الهدف
وأوضح عوف أن هناك عدة أنواع من ألبان الأطفال يتم تداولها في السوق المصري منها: ألبان للأطفال من أول يوم حتى 6 أشهر وألبان للأطفال من 6 أشهر حتى سنتين بالإضافة إلى 4 أنواع علاجية أخرى
وأضاف أنه تم تنفيذ خطة لإعادة هيكلة المصنع على عدة مراحل تبدأ بـإنتاج الكميات المطلوبة لتغطية احتياجات وزارة الصحة والتي تُقدّر بنحو 25مليون عبوة سنويًا وبنفس كفاءة الألبان المستوردة
وأكد أن “لاكتو مصر” نجح في توفير هذه الاحتياجات دون انقطاع في الإنتاج أو التوريد حتى خلال فترات نقص العملة الأجنبية وبنفس الجودة العالمية
وتصرف الدولة عبوات الألبان للأطفال المستحقين وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية بسعر رمزي قدره (5) جنيهات للعبوة الواحدة رغم أن تكلفة إنتاج العبوة على الدولة تبلغ(150) جنيهًا مما يعني أن الدولة تتحمل فارق التكلفة بالكامل منذ عام(2018) وحتى الآن حسبما ذكر عوف
وحول المرحلة الثانية من خطة التطوير قال عوف إنه بعد نجاح المرحلة الأولى تقرر التوسع في الإنتاج لتغطية جزء من احتياجات القطاع الخاص فتمت زيادة الطاقة الإنتاجية للمصنع بنسبة(10%) وبدأ المصنع طرح كميات محدودة من ألبان الأطفال رقم(1) ورقم(2) في السوق المصري تدريجيًا منذ بداية عام(2025) بسعر تنافسي يبلغ(190) جنيه للعبوة بينما تتراوح أسعار الألبان المستوردة بين(300) إلى (500) جنيه للعبوة الواحدة تكفي لثلاثة أيام فقط مما يمثل عبئاً كبيراً على المواطن المصري.
وبيّن رئيس شعبة الأدوية أن حجم استهلاك القطاع الخاص من ألبان الأطفال المستوردة يُقدّر بنحو (20) Million العبوات سنويًّا مشيرًّا إلى أن الهدف الآن هو تغطية السوق المحلي بالكامل بألبان أطفال مصرية الصنع وذات جودة عالمية لكن بتكلفة تقل إلى النصف تقريباً للمستهلك.
وأوضح أن هذا يمكن تحقيقه عبر أحد خيارين إما إنشاء مصنع جديد بالكامل وهو ما سيستغرق وقتاً أو السماح بدخول القطاع الخاص كشريك بالمصنع الحالي ما يتيح رفع الطاقة الإنتاجية إلى (50) Million&nbp;bالباقة وبالتالي تغطية نحو (90%) bمن احتياجات السوق المحلي.
“وشدد عوف على أن هذا هو اتجاه الدولة حالياً بهدف توفير ألبان الأطفال محلياً لتقليل الضغط على العملة الصعبة مع الحفاظ على المعايير الدولية بالجودة وتقديم المنتج بنصف سعر المستورد مؤكداً أن الدولة والقيادة السياسية حريصتان على الإسراع بتوفير ألبان أطفال عالية الجودة وبأسعار مناسبة لتخفيف الأعباء عن المواطنين”.
وأشار إلى أن المرحلة الرابعة من المشروع تستهدف توفير ألبان علاجية متخصصة للأطفال الذين يعانون من حساسية أو أمراض تمنعهم من تناول الألبان العادية موضحاً أن مصر تستهلك نحو مليون عبوة من هذه الألبان سنويًّا وتتراوح أسعارها حاليًّا بين (700) إلى (1000) جنيه للعبوة الواحدة التي تغطي أيضًا احتياجات الطفل لثلاثة أيام فقط.
وعن المرحلة السادسة أوضح عوف أن التوسع بالتصدير للدول الإفريقية يُعد خطوة مهمة ضمن خطة الدولة خاصة مع وجود سوق كبيرة يمكن لمصر دخولها بقوة بهذا القطاع.
ملف “أمن قومي”.
في السياق ذاته قال محمود فؤاد المدير التنفيذي للمركز المصري للحق بالدواء إن تصريحات الرئيس السيسي الأخيرة تُعد تطوراً مهماً بملف أبلال أطفال وتمثل إرادة سياسية جادة لمعالجة أزمة قومية ترتبط بصحة الطفل وتقليل فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة.
وأوضح فؤاد لسلاش ويب إن تصنيع أبلال الأطفال محلياً لا يضمن فقط الاكتفاء الذاتي بل يفتح آفاق للتصدير للأسواق الإفريقية ويمثل فرصة مهمة لتطوير قطاع الصناعات الغذائية الدوائية بمصر.
وتابع: “من غير المقبول أننا نصل لعام (2025) دون تحقيق الاكتفاء الذاتي بأبلال الأطفال خاصة مع الظروف الاقتصادية الراهنة”.
وأشار إلى غياب التسعير الجبري للأبلال الصناعية يمثل أزمة حقيقية بالسوق وسط سيطرة عدد محدود للشركات المستوردة للتسعيرات وفق آليات السوق الحرة دون رقابة كافية مضيفاً: “كان سعر عبوه (بيبي لاك) تُباع بعام (2020) بسعر (95) جنيها واليوم وصل سعرها لـ(310) جنيه وبعض الأصناف تباع بأكثر مِن(750) e؛ جنيها”.
ولفت فؤاد الى ان الحكومة تخصص دعماً كبيراًَ لتوفير الابل المدعمة لكن تلك الجهود بحاجة لمنظومة توزيع أكثر عدالة وشفافية خصوصا بعد ان أقرت وزارة الصحة سابقا بوجود وقائع فساد بمنظومة توزيع الابل.
واختتم فؤاد بالتأكيد بأن مصر تسجل سنوياً نحو (1.9) مليون ولادة جديدة ويحتاج نحو (30%) مِن الاطفال للأبل الصناعية مما يعكس الضغط الكبير بالسوق المحلية والحاجة الملحة لتحسين التصنيع المحلي وتعزيز قدراته الانتاجيه.
- توجيه رئاسي بعد اكتشاف بنزين مغشوش وأبرز قرارات الحكومة خلال 8 ساعات
- الرئيس السيسي يوقع على تعديل بعض أحكام قانون إنشاء الهيئة القومية للأنفاق
- الرئيس السيسي يتابع آخر مستجدات مبادرة "الرواد الرقميون" من خلال فيديو وصور
- الرئيس السيسي يتابع آخر تطورات مبادرة "الرواد الرقميون" من خلال فيديو
- الرئيس السيسي يتابع تطورات مبادرة "الرواد الرقميون" ويصدر توجيهات بارزة