
في تحرك استباقي يعكس نضج الرؤية الإستراتيجية لمواجهة التطرف الرقمي، كشف المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) إزالة أكثر من 11 مليون رسالة متطرفة بثّها تنظيم داعش الإرهابي خلال الربع الأول من عام 2025 ضمن شراكة تشغيلية مع واحدة من أبرز المنصات الرقمية العالمية، التي استهدفت وقف زحف الدعاية الإرهابية في الفضاء الإلكتروني.
التقرير أشار إلى أن متوسط المحتوى المحذوف يوميًا بلغ 131 ألف رسالة من أصل 16 مليون رسالة خضعت للمعالجة خلال فترة زمنية لا تتجاوز 90 يومًا، الأرقام تكشف حجم النشاط الإعلامي الذي يديره التنظيم في محاولاته لصناعة سرديات موازية وزرع مفاهيم ملوّثة عبر أدوات اتصال سريعة التمدد.
وكشف التقرير أن خرائط الدعاية شهدت تحولًا نوعيًا، ففي شهر يناير لوحظ توافق ملحوظ بين ارتفاع وتيرة النشر الرقمي وعمليات التنظيم الميدانية، ما يدل على مركزية الإعلام في آليات التحشيد والتأثير.
وفي فبراير ظهر تركيز واضح على استخدام النصوص المكتوبة كأداة رئيسية، مما يعكس وعيًا بمحاصرة الوسائط البصرية ومحاولة التحايل على أدوات الكشف التقني، وفي مارس شهد توسعًا في استخدام آليات النشر الكثيف واتباع أسلوب الإغراق الإعلامي لتضخيم الأحداث وخلق زخم وهمي يُنتج ردود فعل متسلسلة لدى الجمهور الرقمي.
يعكس هذا التعاون بين «اعتدال» والمنصات الدولية تطور أدوات الردع الرقمي وتحول المواجهة من مجرد تصفية محتوى إلى قراءة نمط الإنتاج الدعائي وتفكيك بنيته قبل أن تلامس الرأي العام، التقرير يُبرز مستوى متقدمًا من التنسيق في تفكيك المنصات التي يتكئ عليها الخطاب المتطرف.
المعركة مع الإرهاب لم تعد قتالًا على الأرض فقط بل صارت معركة سرديات وميدانها الشاشات وسلاحها البيانات والتحليل والتدخل اللحظي، التجربة التي قدمها «اعتدال» في هذا السياق تمثل نموذجًا معرفيًا وتكنولوجيًا متقدمًا يعيد صياغة مفهوم «الأمن الفكري» ضمن معادلة حضارية تمتد من الكلمة حتى الخوارزمية.