
حين صدرت لأول مرة، لم تُستقبل Ghost of Tsushima كأي لعبة أكشن عابرة تم تطويرها من استوديو، بل كعمل فني نابض بروح اليابان الإقطاعية، حيث تجسدت المأساة القومية في شخصية جين ساكاي آخر ساموراي يحارب الغزو المغولي في جزيرة تسوشيما، لم تكن حكاية جين قصة بطل وحسب بل كانت انعكاساً لهوية وطن ممزق وصراع داخلي مرير بين شرف الساموراي والضرورة الأخلاقية في زمن انهارت فيه القوانين.
حملت اللعبة في طياتها قصيدة مضرّجة بالدماء كتبتها خطوات جين نحو التحرير فقد خسر جين ذاته تدريجياً ليصير شبحاً لا يلتزم بشريعة السيف بل بشريعة البقاء، وفي قلب هذا التمزق وُلدت أعظم نقاط القوة في اللعبة تجمع بين العمق النفسي والسرد الحيّ والارتباط بالتأريخ والهوية.
لكن ومع إعلان الجزء الثاني تحت عنوان Ghost of Yōtei تغيّر المشهد كلياً حيث لم تعد اللعبة تدور حول وطن يُغتصب أو شرف يُهدد، فنرى تحوّل القصة نحو انتقام شخصي تقودها بطلة جديدة تُدعى آتسو، فنحن لا نرى مقاتلة تحمل إرث أمة بل امرأة تعود من رماد ماضيها لتنتقم من اليوتي وهم مجموعة من السفاحين قتلوا عائلتها، يبدو أن الإلهام لم يأتِ من التأريخ بل من الأساطير اليابانية وتحديداً من الأونريو الأرواح الغاضبة التي تعود من الموت للثأر.
من ملحمة تأريخيّة إلى دراما ثأرية
ما قدّمه الجزء الأول من عمق فلسفي وثقافي يبدو أنه يُستبدل الآن بمنظور أقرب إلى أفلام هوليوود السائدة على نمط Kill Bill وThe Last Samurai، بطلة Ghost of Yōtei لا تقاتل من أجل الحرية أو العدالة بل من أجل جرح شخصي أقرب إلى العروس في Kill Bill منها إلى جين ساكاي بطل Ghost of Tsushima، فهي تنطلق في رحلة دموية لتصفية حساباتها واحدة تلو الأخرى مع قائمة محددة من القتلة.
رغم ما قد تحمله هذه المقاربة من إثارة وأسلوب سينمائي قوي إلا أنها تطرح تساؤلات حول هل يوجد تطور ناضج وإبداعي في مسار السلسلة؟ أم أنه انزلاق نحو النمطية الغربية المألوفة؟ هل تُجرد السلسلة من جوهرها الذي ميّزها وجعل منها تجربة متفرّدة؟
الهوية على المحك؟
المسألة ليست في جماليات الانتقام كقصة ولا في جدارة آتسو كبطلة بل في الهوية السردية التي لطالما حملتها Ghost of Tsushima، فهي لم تكن لعبة عن القتال فقط بل عن التضحية والانكسار والولاء والمعنى الحقيقي للشرف في زمن عمّه الخراب، أما Ghost of Yōtei حتى في عرضها الأولي تبدو وكأنها تخلع ثوب التأمل لتلبس درع الأكشن والدراما الثأرية، ومع كل ذلك لا يمكن الحكم بشكل نهائي قبل إصدار اللعبة فربما تحمل في طياتها عمقاً جديداً أو تعيد تعريف ملحمة الانتقام بشكل فريد ومؤثر.
لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن السلسلة دخلت منعطفاً مقلقاً بين مجد الماضي وثِقل التوقعات والحاجة للتجديد والرغبة في الحفاظ على روح سابقتها.
تابعنا على.