
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلاً جديداً بعنوان “تقنية التوأم الرقمي”، مشيراً إلى أن العقدين الأخيرين شهدا تطورات متلاحقة في الشركات حول العالم، حيث تميزت هذه الفترة بزيادة الرقمنة التي تُلزم الشركات بتطوير أساليبها بكفاءة أكبر من حيث التكلفة والوقت، وقد ظهرت تقنية جديدة تُعرف بـ “التوأم الرقمي”، وهي تمثل أحد أبرز سمات العصر، وتشير إلى التمثيل الافتراضي لمبنى أو منتج أو أصل مادي، وتكمن فائدتها في تعزيز الدقة والموثوقية وتقليل الوقت والتكاليف.
اعتُرف بمفهوم التوأم الرقمي عام 2002 بعد أن استضافت شركة “Challenge Advisory” البريطانية عرضاً تقديمياً من جامعة “ميتشجان” حول التكنولوجيا، والذي تناول تطوير إدارة دورة حياة المنتج وعناصر مرتبطة بمفهوم التوأم الرقمي، ورغم اعتقاد الكثيرين بأن هذا المفهوم وُلد عام 2002، فإن تقنياته كانت مطبقة منذ الستينيات؛ حيث استخدمت وكالة “ناسا” أفكار التوأمة الأساسية خلال تلك الفترة في برامج الفضاء عبر إنشاء أنظمة مكررة على الأرض لتطابق الأنظمة الموجودة في الفضاء عند تطوير توأم رقمي لتقييم ومحاكاة الظروف على متن مركبة “أبولو 13”.
فيما يتعلق بالتوأم الرقمي، أشار التحليل إلى أنه نموذج يُعنى بعملية المحاكاة والتمثيل الافتراضي لإنشاء كائن مثل مصنع أو محطة طاقة أو منتج، وتستفيد هذه العملية من مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار التي تضم بيانات حول جوانب مختلفة لدورة حياة المنتج وبمساعدة الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وإنترنت الأشياء لتحليل مشكلات الأداء وإجراء محاكاة افتراضية “ماذا لو”، إذ يوفر إنترنت الأشياء البيانات الحيوية بينما يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل البيانات والتعلم منها للتنبؤ بالمشكلات واقتراح حلول يمكن تطبيقها لاحقًا على الكائنات في العالم الحقيقي.
يكمن الفارق بين المحاكاة التقليدية والتوأمة الرقمية في أن الأخيرة تقدم عملية محاكاة أكثر مرونة وعمقًا مقارنة بالأولى؛ فهي قادرة على جمع بيانات حقيقية حول أداء الأصول طوال دورة حياتها، ومن خلال استخدام إنترنت الأشياء يمكن تبادل البيانات بين الأنظمة المختلفة لتقديم صورة أوضح عن الأداء لأغراض المقارنة، ومع ذلك ترتفع تكلفتها بسبب الحاجة لتركيب أجهزة استشعار ودمجها مع برامج تحليلية وواجهات مستخدم، وعادة ما يتم استخدامها للأصول أو العمليات الأكثر أهمية لضمان مبرر التكلفة.
يشير التحليل إلى أن التوأم الرقمي يُعتبر مؤشراً مهماً في عمليات القياس والتحقق؛ لأنه يصحح الأخطاء المحتملة أثناء المراحل المبكرة من التخطيط والتصميم وليس في مراحل التصنيع المتقدمة، ويقدم محاكاة لجميع السيناريوهات المحتملة مع وضع خطة عامة للتطوير وحل المشكلات المستقبلية بما يشمل تكوين حلول مبتكرة وإجراء تغييرات قبل بدء عمليات الإنتاج الفعلي. وقد زاد الاعتماد على النظم الرقمية المعتمدة على العديد من التقنيات مثل الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والروبوتات وأساليب التصنيع المعتمدة على الإنترنت والذكاء الاصطناعي وتقنية التوأم الرقمي والتي سيكون لها تأثير كبير ومهم في اتخاذ القرارات التجارية؛ لذا يجب فهم تأثيراتها وأهميتها خلال دورة حياة المنتج.
أضاف التحليل أن سوق التوأم الرقمي شهد زيادة مطردة عالمياً ومن المتوقع أن يسجل حجم السوق العالمية لقطاع التصنيع وحده نحو 6.7 مليارات دولار بحلول عام 2025 مما يمثل زيادة تتجاوز عشرة أضعاف حجم السوق عام 2020. كما يُعتبر قطاعا السيارات والطيران من بين أكبر القطاعات التي تعتمد على تقنية التوأم الرقمي والتي قد تشهد توسعًا كبيرًا هذا العام. ومن المتوقع أيضاً أن تزيد قطاعات الطاقة والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية والتجزئة استخدامها لهذه التقنية.
تناول التحليل عدة قطاعات يمكن أن تسهم فيها التوائم الرقمية بشكل فعال بما في ذلك المجالات الصناعية التقليدية وغير التقليدية:
– الفضاء والدفاع: تدعم التوائم الرقمية دورة الحياة الكاملة لصناعات الدفاع وتحسن أداء الطائرات والسفن والمركبات الفضائية والأرضية والأقمار الصناعية والبنية الأساسية مع مراعاة الأمن السيبراني والحماية العسكرية مما يساهم بشكل سريع في اتخاذ القرارات وتعزيز الكفاءة التشغيلية وتحسين السلامة والأمان مع تقليل المخاطر.
– الهندسة المعمارية والإنشاءات: تلعب التوائم الرقمية دوراً مهماً بدايةً من مرحلة التصميم وتعزز الكفاءة التشغيلية لمؤسسات الهندسة والبناء والصيانة وأنظمة المدن الذكية عبر تحسين عناصر دورة حياة المباني وكذلك توفير تحليلات للمباني الذكية والبيانات التنبؤية لضمان السلامة وتحديد التأثيرات الاقتصادية والاستدامة الشاملة. ومن الأمثلة على ذلك:
1- إنشاء نسخة رقمية لمدينة أورلاندو الأمريكية بتقنية ثلاثية الأبعاد لمحاكاة تأثير مشروعات التخطيط الحضري المختلفة على البيئة والمقيمين حيث تستخدم العديد من المدن الأمريكية هذه التقنية لإدارة المرور وتقليل الانبعاثات.
2- تعمل إدارة الإطفاء بولاية كولورادو بالتعاون مع توائم رقمية ثلاثية الأبعاد لشركة “جرافيكس إنفيديا” لدراسة انتشار حرائق الغابات بهدف تحسين الوقاية والمساعدة في احتواء الحرائق بشكل أكثر فعالية.
3- سنغافورة تعتبر واحدة من أهم المستخدمين للتوائم الرقمية عالميًا ولديها نموذج افتراضي ثلاثي الأبعاد للمدينة يتضمن ملايين الصور الملتقطة بالإضافة إلى بيانات تغطي البنية التحتية والمباني مما يسمح بدقة كبيرة لنمذجة التحسينات والخطط الجديدة لتحقيق الاستدامة ومواجهة ارتفاع درجات الحرارة.
– الزراعة: يستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز إنتاج المحاصيل خاصة بالنسبة للمحاصيل الأساسية مثل الذرة وفول الصويا والقمح حيث تعمل شركة “CropX” النيوزيلندية على دمج بيانات مستشعرات التربة مع صور الأقمار الصناعية وتوقعات الطقس لتحقيق رؤية شاملة لظروف الزراعة مما يمكّن اتخاذ قرارات دقيقة وضمان الأمن الغذائي وسط تهديد الجفاف وغيره من الأحداث الطبيعية.
– التكنولوجيا المالية: تركز القيمة هنا على الأصول غير الملموسة وللتوائم الرقمية تأثير فوري على النتائج المالية للشركات عبر تحسين العمليات المالية وتسهيل التعامل مع تحديات الأمان.
– النقل: تسهم التوائم الرقمية بشكل فعال بتسريع عملية اتخاذ القرار وأتمتة معالجة المشكلات مما يعزز الكفاءة ويقلل استخدام الموارد عن طريق توفير بيانات أفضل تلبي متطلبات اللوائح البيئية والاجتماعية المتغيرة باستمرار وتحسين تجربة النقل العام والسلامة وإدارة الاستدامة عبر سلسلة القيمة وتقليل انبعاثات الكربون.
– الموارد الطبيعية: تؤثر بشكل كبير على جميع مراحل إنتاج الطاقة بدءًا من الهندسة وحتى العمليات مما يعزز نظافة وكفاءة الطاقة واستدامتها عبر توقع الأعطال واكتشافها وتحسين استهلاك المياه وضمان سلامة العمليات وجعل مصادر الطاقة المتجددة أكثر كفاءة وسهولة وصول بما فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الكهرومائية.
– الأدوية: تساعد هذه التقنية النظام البيئي الصحي ليكون أكثر ذكاءً وكفاءة بينما تظل سلامة المرضى هي الأولوية عبر تمكين الابتكار بسرعة وتحسين عملية اتخاذ القرار وتسهيل الموافقة التنظيمية لتطوير الأدوية وضمان الجودة وتقليل النفايات بالإضافة إلى ضمان توفر الأدوية الحيوية باستمرار.
– الاتصالات السلكية واللاسلكية: يعدّ استخدام التوام الرقمي مثاليًا لإدارة البيانات الضخمة إذ يوفر رؤية شاملة لأداء الشبكات وأنماط الاستخدام ويساهم بتحسين تغطيتها وأدائها واستجابة سريعة للكوارث الطبيعية عبر تحديد الموقع ومواجهة الأزمات مما يعزز استدامة المدن الذكية ومصادر الطاقة والشبكات الأساسية.
أشار التحليل إلى اهتمام مصر بالتطورات التقنية العالمية حيث صار تعزيز التحول الرقمي أحد الممكنات الأساسية لتحقيق أهداف رؤية مصر 2030 الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية والبيئية. يجري العمل كذلك لإنشاء بنى تحتية مرنة للحكومة والمؤسسات لمواكبة مستجدات الثورة التكنولوجيا بما يتضمن إدخال تقنية التوأم الرقمي وهناك عدد من المبادرات المستهدفة لهذه التقنية:
1- يقدم المعهد القومي للاتصالات مبادرة شباب مصر الرقمية التي تتناول تقنية “التوام الرقمي” ودراسة المهارات اللازمة لبناء توائم رقمية تشمل مجالات متعددة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات وإنترنت الأشياء وهو ما يجعلها نظاماً متكاملاً يدمج العالم المادي بالرقمي بذكاء غير مسبوق.
2- يقدم معهد تكنولوجيا المعلومات دورة تدريب مجانية حول “تكنولوجيا توام الرقمى: الأسس والتطبيقات”، تناقش الدورة المفاهيم الرئيسية للتكنولوجيا بالإضافة إلى الفوائد والتحديات والأدوات الداعمة لها مع أمثلة حقيقية تشمل توأمة المنتجات والخدمات
استعرض التحليل فرصاً واعدة يمكن لمصر الاستفادة منها:
- وزير الاتصالات يعلن عن إصدار 19 مليون رقم قومي عقاري في مجموعة من المحافظات
- استثمارات مستهدفة بقيمة 3.48 تريليون جنيه في خطة 2025/2026 بزيادة تصل إلى 33.8%
- وزير الصحة يجتمع مع نظيره السعودي لمتابعة حالة الحجاج المصريين
- استثمارات القطاع الخاص في المالية العامة للشيوخ قد تتجاوز 68% من الإجمالي بحلول نهاية 2028/29
- وزيرة البيئة تؤكد على أهمية التوصل إلى اتفاق دولي ملزم لمواجهة التلوث البلاستيكي